من الإسكندرية إلى القُرنة.. حكايات ترويها بيوت حسن فتحي.. وتبكيها الجدران


أسماء باسل

من أسرة سكندرية ثرية، لها أصول عريقة، انحدر "حسن فتحي" المعماري المصري الشهير، الذي طبع اسمه على كل متر بناه وشيده في مصر من شمالها لجنوبها، لكن جنوبها له حكاية خاصة مع حسن فتحي، الذي بنى قرية القرنة الجديدة في غرب الأقصر، معتمدًا على المواد المحلية في البناء، ومستمدًا فكرة مساكن الفقراء، أو عمارة الفقراء الذي يحمل نفس الاسم ويسرد فيه قصة بناء قرية القرنة الجديدة غرب الأقصر، ماذا بنى وكيف؟

قرية القرنة الجديدة بغرب الأقصر هي قرية تراثية ومهمة ولها تاريخ، مر على إنشاءها أكثر من ستين عامًا، لكنها ما زالت مزارًا مهمًا للمهتمين بالتراث والعمارة والتاريخ.

حينما تصعد المعدية من أمام متحف التحنيط، ستنقلك من شرق نيل الأقصر إلى غربه، ستستغرق رحلتك دقائق معدودة، لكنه زمن ممزوج بجمال النيل والهواء الطلق وأشرعة المراكب، وشريط أخضر على جانب خط النيل الغربي، ستكتشف بعد قليل أن صحراءه أكثر من خضاره.

تنزل من المعدية، تتقدم خطوات إلى الطريق الذي تجده أمامك مباشرة، لتركب ميكروباص وتقول للسائق "أوصلني إلى مدخل قرية حسن فتحي"، يعرفها السائقين بأنها قرية يزورها الأشخاص الذين يقرأون في الكتب، لكنه يخبرك أيضًا أنه لا بيوت في القرية، فكلها انهارت واندثرت وقامت مكانها بيوتًا حديثة.

 تشعر بالإحباط لأنك لن تشاهد البيوت التي بناها فتحي في أربعينات القرن الماضي، لكن عند نزولك مدخل القرية، وتمر بعد خطوات على ناصيتين، تدخل إلى الناصية اليمنى، تشاهد بيت قديم ذو شبابيك خشبية أشبه بالأرابيسك، فيتسرب إليك شعور بالأمل أن السائق ربما لا يعرف حقيقة المكان كاملة، وأنك وجدت منازل قديمة بالفعل.

حينما كُلف حسن ببناء القرية، لاحتواء النازحين من مساكن المقابر الفرعونية من البر الغربي لإنقاذها من السرقات، بنى 70 منزلًا، أدخل في عمارته الطراز الإسلامي متمثلة في القباب، وفن الأرابيسك في النوافذ، واستخدم الحجر الجيري الذي كان سببًا مهمًا في انهيار منازل القرية فيما بعد، خاصة في سنوات الفيضان والمياه الجوفية التي جرفت أساس الحجر الجيري وأضعفت تماسكه مما تسبب في انهيار منازل القرية التراثية تباعًا.

ما يميز بيوت القرنة الجديدة، هو الطراز السلس الذي يشعرك بأنك في متحف لا في قرية، قباب في منازل، أشكال نصف دائرية كبيرة في مداخل المخازن، حتى قصر الثقافة الذي حمل اسم حسن فتحي يمثل تحفة معمارية يجب أن تشاهدها أجيالًا بعد أجيال.

مكان ساكن يحمل ضجيج، هادي الشكل لكنه صاخب التفاصيل، الأرابيسك ما زال يزين نوافذه منذ أكثر من نصف قرن، سلالم عريضة تغطيها سلاسل خشبية ترسم أشكالًا ضوئية رائعة، كأنها تبدد كتلة الضوء الواحدة التي تلقيها الشمس على الأرض، هذا أيضًا ما حمله مسجد القرية الذي يقبع في مقدمته مكانًا للصلاة تعلوه قباب كبيرة، بينما في أوله فناء واسع يطل على السماء، وفي جانبه مصلى آخر ربما صُمم خصيصًا للنساء.

لم ينسى فتحي العاملين في القرية إبان فترة الإنشاء، فقد بنى لهم مساكن ذات طابق واحد تأخذ أشكال نصف دائرية، كأنها تسلسل مكاني وزمني في آن واحد، حيث كان ينوى جعلها مساكن لهم بعد انتهاء مدة العمل في القرية التي لم تنتهي، ولم تكتمل، حيث أتت عليها المياه واستسلم الحجر الجيري، فيما عدا بضع بيوت قليلة مع القصر والمسجد ما زالت تصارع الزمن واختارت النجاة من فخ الزمان والمكان، وحصلت على فرصة للبقاء كي يزورها المهتمين برؤية ملامح تاريخية من فِكر فنان مثل حسن فتحي وقرية القرنة وغرب نيل مدينة المعابد والآثار والحضارات.


الكاتب

أسماء باسل> أسماء باسل

شارك برأيك