زينة رمضان من عهد الفاطميين إلى عصر التكنولوجيا

تصوير: حنان الميهي

حنان الميهي

كانت مصر ولا زالت بلدًا متقبلًا لكل مظاهر البهجة، فالمصري عُرف دومًا بخفة دمه، وروحه التي تميل إلى كل شيء مبهج، فاستغل الفراعنة القدامى هذه السمات المتأصلة في المصريين، وحكموهم بالبهاء، فكانت المواكب الفرعونية تأخذ بالأبصار ومن بعدها العقول والقلوب، فما إن يشاهد المصريون الكادحون هذه المواكب المزركشة فيسارع الجلال والرهبة والتعظيم للدخول في نفوسهم تجاه أصحاب هذه المواكب.

وجاء الفاطميون لمصر رافعين الأعلام السوداء لمذهبهم الديني، فيرجع أصل الدولة الفاطمية إلى المذهب الشيعي، الذي يتخذ من الأعلام السوداء شعارًا له؛ حزنًا على الحسين، ولكن مع مصر الوضع جد مختلف، فلن يتقبل المصريون تلك الأوشحة السوداء، فكفاهم سواد معيشتهم، ومن ثم وجد الفاطميون أن يتقربوا للمصريين بما يناسبهم، ويجذب حبهم، وماذا يجذب قلوب المصريين أكثر من الطعام والزينة؟ فسارع الفاطميون بصبغ حياة المصريين بكل الأشياء المبهجة، كألوان القماش المزركش الذي يرجع أصله إلى بلاد فارس.

وارتبطت هذه الأقمشة المزركشة بالمناسبات الدينية ولا سيما رمضان، فاتخذوا منه أعلام تبعث على البهجة بدلًا من تلك الأعلام السوداء التي لم تتقبلها عيون المصريين، وأُضيئت المصابيح بالألوان لتستقبل رمضان بشكل مميز لم يعهده المصريون، ليدخل المذهب الجديد في قلوبهم ولو حتى كان سبيل دخوله هي أعينهم، وكذلك ارتبطت كل المناسبات الدينية بالأكلات الفاطمية الجديدة، فظهرت الكنافة والقطائف ولكن هذا الظهور الموسمي لا يستمر طوال العام، فما إن ينتهي رمضان تنتهي معه هذه الأكلات، لتظهر أكلات أخرى في مناسبات أخرى.

وصبغت السنين زينة رمضان بذاكرة الزمن، فأضافت بكار على القماش الفارسي المزركش وكان المكان متسعًا لدخول بوجي وطمطم هذا السباق، بل والأعجب دخول أبلة فاهيتا والمفتش كرومبو في ساحات أقمشة رمضان المزركشة، وفي منطقة الخيامية في قلب القاهرة الفاطمية تُباع كل هذه الزينة سواء مُجمعة وجاهزة أو قطع تحتاج إلى تجهيز وإعادة إنتاج.

"أبو يوسف" في هذا المكان يُعيد روح البهجة لفوانيس السنوات السابقة، بل ويصنع الفوانيس الجديدة تحت الطلب، فيمكنك تحديد الحجم والألوان والتحكم أيضا في السعر، فهنا يُصنع الفانوس العمولة، ويُصلح الفانوس الخربان ليحيا من جديد.

ولم يعد قماش الزينة قاصرًا على الشوارع فحسب، بل أصبح يدخل في تركيب كل أثاث البيت، ليعطي للبيت نكهة رمضانية مُحببة للنفوس، فعلب المناديل وسلات القمامة وأواني الفاكهة كُسيت بهذا القماش الفارسي الذي نُسي أنه فارسي أو فاطمي، مُكتفيًا فقط بهويته الرمضانية، ليس هذا فحسب، فلرمضان تتزين كل الأشياء الشوارع والبيوت والسلال وحتى "القلل".

ومع غلاء الأسعار لديكورات رمضان المنزلية، معظم العائلات قررت أن تقوم هي بصنع هذه الزينة مكتفية بشراء المواد الخام، لتضفي على البيت بهجة أثناء صناعتها وكذلك تضيف بعض الأموال إلى ميزانية رمضان التي لا تعرف إلى الآن مراكز الأبحاث العالمية ولا صندوق النقد الدولي كيف تدبر الأسر المصرية ميزانية هذا الشهر!

 


الكاتب

حنان الميهي> حنان الميهي

شارك برأيك