متي تنتهي غربة «عمرو» في الوطن

"عمرو عوض" من أمام عربة معجناته الصغيرة "بيتزاتو سوريا"

مصر الناس

كتبت-فاطيما صفوت

الهجرة ليست فقط الهجرة من بلد لآخر، فالبعض يشعر بالغربة بين أهله وفي وطنه، وقد تكون هذه أصعب أنواع الغربة.

"عايزين ناكل عيش بالحلال، فسيبونا بدل ما تحطمونا أو وفروا لنا بدايل لإننا تعبنا". هكذا بدأ "عمرو عوض" قصته معنا من أمام عربة معجناته الصغيرة التي تحمل اسم "بيتزاتو سوريا" الكائنة بميدان عمائر الأمن بمدينة أسوان.

عربة صغيرة حولها زحام، يقف عليها شاب أسمر يرتدي ملابس رياضية مرتبة، عليها مريلة زرقاء صغيرة، يجذبك إليه ابتسامته المشرقة التي لا تفارق وجهه وحديثه اللبق مع الجميع. يصنع ويبيع معجنات، تحديدا بيتزا، وابتكاره الذي يسميه "بيتزا ساندويش".

"عمرو عوض" الشاب النوبي حاصل على دبلوم الصنايع في الزخرفة، يعيش مع أسرته حتى الآن بالرغم من اقترابه من عامه الثلاثين كحال معظم الشباب المصري، بدأ حياته العملية منذ المرحلة الابتدائية لحبه الاعتماد على النفس والعمل، فانجذب للمطبخ على خلاف الشباب حتى أصبح شابا يافعا وعمل بمطابخ في فنادق عديدة في الإسكندرية والغردقة وشرم الشيخ والساحل الشمالي وبورسعيد وتوشكى، انتهاءًا بدولة الامارات، ولايزال يستمتع بتشجيع أهله في تحضير العشاء لهم أحيانًا، فيبتسم قائلًا "ده انا عليا شوية فول احلى من هنيدي في سور الصين العظيم".

"فكرت في مشروع العربية بعد ما حسيت بالملل وقعدتي طولت في البيت، وشغلي في السياحة بسبب ظروف البلد". وعن سبب إطلاقه اسم "بيتزاتو سوريا" على العربة قال "لان سوريا اصل المعجنات الحلوة، وانا بعمل حاجة حلوة ونضيفة مش عشان الفلوس، لكن لإني بحب الناس تاكل حاجة حلوة وتشجعني برأيها".

فجاة ينقض الحزن على ملامح عمرو بسبب مشاكله المستمرة مع البلدية "أكبر مشكلة بتواجهني هي البلدية، لأنهم هددوني كذا مرة بأخد العربية برغم اني طلعت لهم كارنيه السياحة بتاعي كمبرر لوقفتي، بس مفيش فايدة خدوا بطاقتي وعملوا لي محضر معرفش وصل لايه لحد دلوقتي"، فلا يجد أمامه عند مجيء البلدية كل مرة سوى جمع أغراض مصدر رزقه الوحيد مسرعًا والهرب كالطائر الفار من صياده كحال معظم البائعين الجائلين في مصر العاملين بدون تراخيص.

يغضب عمرو ويندهش لتفرقة البلدية بينه وبين بائع مثيل له يتركوه يمارس عمله "هما بيسيبوا ناس وييجوا على ناس وده مينفعش معلش، والممنوع المفروض علي الكل من غير تفضيل لاي سبب، ولا ايه؟!".

"يعني الانسان ولا الزبالة؟ شايفة صندوق الزبالة الكبير اللي جمبي ده، بيبقى مغرق الشارع زبالة ولا حياة لمن تنادي ومش بيدولوا مخالفة، وانا الانسان باتعب عشان شغلي وبانضف حواليا طول الشغل بيدوني مخالفة، أوقات مبفتحش منه والله".

غير أنه لم يستسلم "انا قدمت على كرفان على الكورنيش بس ده حباله طويلة لسه، وعارف ان وقفتي كده في الشارع غلط بس ده اللي في ايدي، خليهم "البلدية" يدونا مكان نقف فيه ميكونش غلط طيب".

كل هذا دفع عمرو في النهاية للتفكير والتجهيز للهجرة "عارف ان السفر مش حل بس حاسس اني غريب في بلدي، وانا ابن ناس برضه وهناك كنت بتعامل احسن من كده، عشت 3 سنين في الامارات مشفتش حاجة وحشة في المعاملة والله يادوب بطلع كارنيه السياحة والإقامة بس اما بيطلب كمان، حتي اهلي قالوا سافر بدل ما تتشحطط هنا".

تقدر عدد العمالة المصرية بالخارج (ما بين هجرة مؤقتة ودائمة) الي 3ملايين و549 ألف و780 عامل في مختلف الدول العربية والأجنبية - تقرير لوزارة القوى العاملة والهجرة 2014/2015.

ورغم هذا مازال يحلم بمستقبل أفضل لمصر وأهلها "بحلم بكل حاجة حلوة لبلدي والناس ترتاح، وبقول للشباب كافحوا واستغلوا مواهبكم اللي ربنا ادهالكم، لان كل واحد فينا جواه موهبة ميعرفهاش غير نفسه". فتعجبت لأنه لم يذكر شيء لنفسه، فسألته "وبتحلم بإيه لعمرو؟"، فابتسم قائلًا: "بحلم أعيش مبسوط ومرتاح البال، وأكون أسرة ان شاء الله، وفي السفر اللي عايزه ربنا هيكون في النهاية، ولعلمك انا اول مرة أتكلم مع حد غير ربنا".

وكم من "عمرو" بيننا لا نعلم متى تنتهي غربتهم..


الكاتب

مصر الناس> مصر الناس

شارك برأيك