السمسمية بين التراث وأفراح البورسعيدية

أحد أشكال آلة السمسمية - تصوير هدى مجدي

هدى مجدي

السمسمية هي بهجة بورسعيد؛ نسبة لصانعها المعروف بـ"صانع البهجة"، فهي الضيف الحاضر في سهرات وأفراح محافظة بورسعيد، التي أصبحت تحتضن مؤخرًا جلسات سمر أسبوعية تُقام على شواطئها لإحياء أغنيات الفلكلور البوسعيدي على أنغام السمسمية.

آلة البحارة..

السمسمية آلة موسيقية ليست حديثة العهد، والدليل بساطة المواد المستخدمة في صناعتها، وهي تشبه كثيرًا القيثارة الفرعونية.

وتُصنع السمسمية من صندوق صوت عبارة عن "طبق صاج" أو علبة خشبية، وأحيانًا كانت تُستخدم ظهر الترسة وهي السلحفاة المائية ويُضاف إليها طبقة رقيقة من الجلد وثلاثة أذرع خشبية على هيئة مثلث وخمسة أوتار.

وتُعرف السمسمية أيضًا بأنها "آلة البحارة"؛ ذلك لاشتهارها في المدن الساحلية، حيث كان يستخدمها البحارة والصيادون لترديد الأغاني التراثية والشعبية الخاصة بكل مدينة، وهوما ساهم في انتقال المعرفة بها من مدينة لأخرى عبر البحر.

أحد أشكال آلة السمسمية المعروضة داخل متحف "التراثية" ببورسعيد 

نشأة السمسمية..

ظهرت السمسمية في بورسعيد مع بداية حفر قناة السويس (إبريل 1859 - نوفمبر 1869)، وأول من أدخلها بورسعيد كان عامل حفر يدعى "عبد الله كبربر"، تعود جذوره من السودان، كان "كبربر" يعزف على آلة تسمى الطنبورة المعروفة بأنها "أم السمسمية"، نظرًا لاستنساخ السمسمية منها لكن بشكل أبسط وأصغر، ومن هنا جاء اسم السمسمية، وذلك بحسب ما قاله "عم محمد غالي"، وهو صانع السمسمية الأشهر في بورسعيد و في مصر كلها لـ"مصر الناس": "الناس قالت نعمل حاجة خفيفة ومسمسمة؛ عشان كدة اسمها السمسمية".

وفي عام 1956 وقت العدوان الثلاثي على مدن القناة، تم دمج آلة السمسمية مع ما يُسمى بالضمة وهو الفرح التقليدي في بورسعيد، وكان عبارة عن حفلة صغيرة يجلس فيها الناس على هيئة دائرة ينضموا فيها لبعضهم البعض، ومن ثم أصبحت السمسمية آلة المقاومة الشعبية، حيث كان يُعزف عليها أغاني المقاومة الشعبية والأغاني الوطنية تارة وأغاني الأفراح تارة أخرى.

وكان من أشهر شعراء ومغنيين السمسمية في هذا الوقت، كامل عبد العزيز عيد، المُلقب بشاعر المقاومة ومؤسس فرقة شباب النصر، عام 1956، ومغني المقاومة محمود محمد السيد أبو صير، الشهير "بكوثر"، ومحمد يوسف حسن زغلول، الملقب بـ"كاتب السمسمية".

إحدى الصور المعروضة داخل متحف "التراثية" لـ"كاتب السمسمية"  

متحف التراثية..

روى "عم محمد" أنه بدأ تصنيعها عام 2005؛ لأن في هذا التوقيت تراجع استخدام وتصنيع السمسمية، فقرر أن يستقيل من عمله ويتفرغ لإحياء تراث السمسمية وحمايته من الاندثار.

متحف "التراثية" للفنون والثقافة ببورسعيد.. المعروف بمتحف السمسمية 

ومع إعادة تصنيع هذه الآلة بدأت مرة أخرى بالانتشار، وتم تطويرها، حيث أصبح الآن عدد أوتارها يتجاوز العشرين وترًا، وتم البدء في استخدام المعدات الصوتية الحديثة في صنعها.

 وذكر "عم محمد" أن آخر آلة قام ببيعها كانت سمسمية كهربائية تحتوي على جهاز "إلكتريك"، يتم من خلاله ضبط المقامات وصوت الأوتار ومكبر صوتي، وتبلغ تكلفة هذه السمسمية 1000 جنيه مصري، وهي أغلى سمسمية صنعها حتى الآن، حيث إن أسعار السمسمية تتراوح من 50 حتى 1000 جنيه.

أنشأ "عم محمد" متحف "التراثية" عام 2013، وهو المتحف الوحيد في مصر والعالم لآلة السمسمية، حيث يضم أشكالها البدائية ومراحل تطورها إلى ما وصلت عليه الآن، ويضم أيضًا إحدى السماسم التي كان يُعزف عليها في المقاومة الشعبية عام 1956، وبعض صور أشهر وأهم شعراء وعازفين السمسمية.


الكاتب

هدى مجدي> هدى مجدي

شارك برأيك