«مصر الناس» يرصد تطور مظاهر الاحتفال بعيد الفطر منذ العصر الفاطمي

صور أرشيفية

مصر الناس

كتبت-زينب محسن

أيام قليلة مضت فصلتنا بين فرحتين، الأولى الأيام الرمضانية حيث الرحمة والمغفرة والعتق من النار، والأخرى حلول عيد الفطر وما يصحبه من كعك ومفرقعات الاحتفالات، وتهنئة المسلمون بعضهم البعض على إتمام شهر الصيام.

وسُمّي العيد عيدًا لعودته بالفرح في كل عام، حيث إن قدومه دائمَا يجلب السعادة بداية من شراء الملابس الجديدة مرورًا بتجهيز الكعك والبيتفور والبسكوت انتهاءً بالخروج للأندية وصلة الرحم، وسمّي بعيد الفطر لأّنه اليوم الذي يفطر به المسلمون بعد شهر كامل من الصيام والتعبّد، ولذلك يعدّ محرمًا على المسلمين أن يصوموا فيه، وهو يوم واحد يبدأ بعد إفطار آخر يوم بشهر رمضان وينتهي بعد آذان المغرب لنفس يوم العيد.

عرف المصريون الاحتفالات والأعياد الدينية منذ عهود قديمة، لذلك تختلف مظاهرهم الاحتفالية عن أي دوله أخرى، فمظاهر الاحتفال بعيد الفطر انطلقت من مصر كالتالي:

العصر الفاطمي:

كان من أهم مظاهر الاحتفال بعيد الفطر عند الفاطميين، هو توزيع الحلوى على جميع موظفى الدولة وإقامة الموائد الضخمة التي تضم كل ما لذ وطاب، خاصة وأن هذه الفترة عندهم هي الموسم الكبير ويعرف (بعيد الحلل)، حيث توزع فيه كسوة العيد على الخاصة والعامة.

وتمثلت مظاهر الاحتفال بالعيد عند الفاطميين فى مواكب يتخللها الفرح والبهجة، حيث يقوم الصبيان والشباب بألعاب بهلوانية، وهم ما عرفوا بطائفة (برقة)، فإذا ركب الخليفة في العيدين مدوا حبلين مسطوحين من أعلى باب النصر إلى الأرض وحبلا عن يمين الباب، وآخر عن شماله، فإذا عاد الخليفة من صلاة العيد مارا بباب النصر، نزلت على الحبلين طائفة من هؤلاء على أشكال خيل من خشب مدهون، وفي أيديهم الرايات وخلف كل واحد منهم رديف، وتحت رجليه آخر معلق بيديه ورجليه ويأتون بحركات تذهل العقول.

الدولة العثمانية:

يبدأ الاحتفال بالعيد عند العثمانيين عقب أداء صلاة الفجر، حيث يصعد أمراء الدولة والقضاة فى موكب متوجهون إلى جامع الناصر محمد بن قلاوون داخل القلعة لأداء صلاة العيد، ثم يصطفون لأداء التهنئة للباشا في اليوم التالي.

وكان الباشا يحضر الاحتفال الرسمي بالعيد في الجوسق المعدلة بميدان الرملية "القلعة حاليًا"، ويتقدم للتهنئة الأمراء وكبار البكوات والمماليك وكبار الضباط وتقدم القهوة والحلوى والشربات، ثم يطلع الباشا على أرباب المناصب والأمراء ويأمر بالإفراج عن بعض المساجين ويسهر الناس فى ابتهاج وسرور وقد أعدوا الكعك والحلوى لتقديمها للأهل والزوار.

العصر الحديث:

يحتشد المصلون بعد طلوع الشمس مباشرة فى أبهى صورة فى المساجد ويؤدون صلاة العيد ومن مظاهر الفرح بالعيد والاحتفال بقدومه نزول الأطفال إلى الشوارع مرتدين ملابسهم الجديدة، يذهبون إلى الحدائق العامة والملاهي، يلعبون ويلهون حتى غروب الشمس، ولا تنتهي فرحة العيد التي تهفو إليها النفوس كل عام، ليعم الحب والصفاء، وتمتلئ القلوب بالسلام والطمأنينة.

كعك العيد

اعتاد المصريون استقبال عيد الفطر بـ"صواني" الكعك البسكويت والبيتفور، حيث تتجمع العائلة في الأسبوع الأخير من رمضان ويأتي الأطفال حاملين الصاجات للأفران لتنتشر رائحة الحلويات فى أرجاء الشوارع والأزقة.

الجامكية-العيدية

من منا لم ينتظر العيدية منذ طلوع شمس أول أيام العيد، وكأن النقود التي توزع في العيد لها رائحة ومذاق يختلف تمامًا عن باقية الأيام، فقد تجعلنا نشعر بالمحبة والدفء ويكفي أنها تعيد لنا لحظات الطفولة العارمة بالسعادة خصوصًا حينما نتفاخر فيما بيننا بما حصلنا عليه من النقود.

فكلمة "عيدية" مشتقة من كلمة "عيد"، وتعني "العطاء" أو "العطف"، وهي لفظ اصطلاحى أطلقه الناس على النقود والهدايا التى كانت توزعها الدولة خلال موسمي عيد الفطر وعيد الأضحى وقد اختلفت الأسماء التي أطلقت عليها على مدار العصور.

ظهرت في مصر في العصر الفاطمي، وكانت تعرف بأسماء عدة آنذاك، من بينها على سبيل المثال "الرسوم" و"التوسعة"، وكان الفاطميون يحرصون على توزيع النقود والثياب على المواطنين خلال فترة الأعياد

وظلت تلك العادة موجودة خلال العصر المملوكي أيضًا، لكنها كانت تعرف باسم مختلف، حيث كان يطلق عليها "الجامكية"، وهي كلمة تعني "المال المخصص لشراء الملابس إلى أن تم تحريفها لتصبح "العيدية"

أما خلال العصر العثماني، فقد اختلفت طريقة تقديم العيدية بشكل كبير، إذ أنه بدلًا من أن يتم تقديمها للأمراء على هيئة دنانير ذهبية، أصبح يتم تقديمها في صورة هدايا ونقود للأطفال.

الألعاب النارية

ما بين بمب وديناميت وصواريخ، تتنوع الألعاب النارية وتختلف جنسية المنشأ كما تختلف أسعارها وبالتالي الطبقات الاجتماعية التي تقبل على شرائها، ورغم مخاطر هذه الألعاب غير المشروعة فإنها تشهد إقبالًا كبيرًا ويستمر تداولها في المحال والأكشاك رغم ما تسببه من أذى كالعمى ومشكلات بالسمع.

ونشأت هذه الألعاب صدفة حيث كان الظهور الأول لها في الصين قبل نحو ألفي عام، عندما قام أحد الطهاة بخلط الفحم مع الكبريت مع قليل من الملح الصخري، وضغط الخليط في أنابيب البامبو، فانفجرت محدثة أشكالًا جذابة.

ومنذ ذلك الحين، دخلت الألعاب النارية أجواء الاحتفال وبات وقود المتعة فيها، حيث أقيم أكبر عرض للألعاب النارية على مستوى العالم في جزر ماديرا في البرتغال خلال الاحتفال بالعام الميلادي الجديد، وقد سجل في موسوعة جينيس للأرقام القياسية.

من الممكن أن يأتي عليك العيد حينما تكون حزينًا أو مهمومًا ولكن مع أجواء فرحة العيد وتأدية الصلاة وسماعك لصوت التكبيرات والمفرقعات المعبرة عن فرحة الأطفال وتجمع الأقارب لتناول السمك المملح والحلويات وتحضير الأزياء الجديد للتنزه، ترمي الهموم وراء ظهرك وكأن شيئًا لم يحدث.


الكاتب

مصر الناس> مصر الناس

شارك برأيك