لماذا يريد الأسطى رمضان العودة إلى «طرق الموت» في ليبيا؟

الأسطى رمضان يحكي ما رآه من أهوال على هذه الطرق - تصوير خلود حسني

مصر الناس

كتبت-خلود حسني

هل التقيت يومًا أحدًا من العائدين من مواجهة الموت؟ هل رأيتهم يُقبلون عليه مجددًا من أجل لقمة العيش، ويحملون أرواحهم بين أيديهم في كل مرة؟! إلا أنه غالبًا لا "تسلم الجرة".

رحلة الموت التي يعيشها المئات في الدروب والرحايا بين الجبال الصحراوية متجهين إلى ليبيا أو عائدين منها، فكل الطرق تؤدي إلى هلاك محتمل، طوال الرحلة المخيفة لم يمنع أبطالها الرعب والفزع من الضحك والسمر.

تقودنا أقدامنا إلى موقف المنيب جنوب محافظة الجيزة في مصر، واحد من أكبر وأشهر تجمع لسيارات الأجرة المتجهة إلى كل ربوع الصعيد، حيث يعمل سائقًا "عم رمضان"، الرجل الخمسيني، ليحكي تجربته المريرة عن عمله لنقل الركاب من مصر إلى ليبيا برًا، وكيف واجه المخاطر على مدار سنوات طوال.

قال: "اسمي رمضان سطوحي، وعندي 50 سنة، متزوج ولدي 7 أبناء، منهم 5 فتيات، وأعيش في بني زيد التابعة لمركز القوصية بمحافظة أسيوط، كنت أعمل سائقًا على خط مصر ليبيا من السلوم، حتى قامت الثورة الليبية وتوابعها، وأغلق الطرق، والآن أعمل سائقًا بالأجرة من القاهرة إلى أسيوط بعد أن توقفت طرق ليبيا وزادت المخاطر هناك".

وتابع: "تعلمت القيادة منذ 28 عامًا تقريبًا، حينما كنت في العراق، ضمن عمالة مصرية، وقضيت مدة زمنية كبيرة هناك، وقررت العودة لأعمل سائقًا من مصر إلى ليبيا، كغيري من عشرات السائقين من أبناء قريتي جنوب الصعيد".

وأشار إلى أن مهمته كانت اصطحاب الركاب في سيارته الأجرة "ميكروباص 14 راكب"، والمرور من حدود السلوم حتى بني غازي بطرق شرعية وأوراق رسمية في رحلة قال إنها تستغرق ثلاثة أيام، وتتكلف على الفرد الواحد 400 جنيه مؤخرًا، ويستريحون فيها أكثر من مرة، داخل السيارة أو على بوابات الدخول.

يتذكر سطوحي رحلاته قبل رياح "الربيع العربي"، وثورة 17 فبراير وتبدو على وجهه الأسمر علامات الحسرة قائلًا: "في الأول قبل الثورة كانت الدنيا كويسة ومحدش يثبتك ولا يفرض عليك حاجة، لكن دلوقتي الوضع صعب والسفرية كأنها رحلة موت بلا رجعة".

يحكي عم رمضان عن رحلة الـ3 آلاف كيلو، متذكرًا أول رحلة له بعد الثورة الليبية مباشرة والتي انهال عليه فيها وابل من الرصاص دون معرفة مصدره، إلا أنه في قرارة نفسه ومن معه وكانوا 4 أشخاص يعلمون أنهم وقعوا في مصيدة "الإتاوة"، وقُّطاع الطرق وعليهم التوقف وإلا سيحدث ما لا يحمد عقباه.

استطرد عم رمضان: "توقفت وأبديت استسلامي وحضر بالقرب مني على يسار السيارة، ملثمون ومدججون بالأسلحة وطلبوا منا ما نحمله من أموال عائدين بها من ليبيا وقد حصلوا عليها تاركين لنا السيارة، والأمتعة فقط".

واستكمل: "الحكاية دي حصلت معايا مرتين وانضرب علينا نار وكانوا بياخدوا مننا كل الفلوس، وما قدرش أقول لا ولا أنا ولا غيري، ولما نرجع البلد السواق والركاب يتحملوا خسائر أي تلفيات في السيارة قد تحدث من قبل أعمال البلطجة هذه".

وأضاف: "الكمائن والبوابات بعيدة جدًا عن بعض والبلطجية يستغلون المسافة ما بين البوابة والأخرى، والتي تصل لحوالي 200 كيلو يمكن فعل أي شيء فيها".

وأردف: "سنوات وأنا أترك أهلي وأسرتي وأخاطر بحياتي في هذه المهنة من أجل لقمة العيش، ويعلمون أني قد أعود لهم جثة في يوم من الأيام، إن لم يكن جراء حادث سير سيكون عن طريق بلطجية الطرق على طريق "ليبيا وايجدابيا وطُبرق وبني غازي".

وبنفس عميق قال رمضان وكأنه متشوق لأيام المخاطر: "الواحد لما كان بيوصل الجمارك المصرية كأنه اتولد من جديد، بس والله برضو رغم كل ده كنا في العربية بنضحك ونهزر عشان نهون الطريق، وكمان العائد المادي كان يستحق المخاطرة من أجل الأسرة".

وأكد السائق الذي واجه وهرب من الموت أكثر من مرة حسب كلامه، أنه سيعود فورًا للعمل مرة أخرى على هذا الطريق الذي تركه منذ عامين بعد صحبة دامت لسنوات، في أول فرصة تتاح له، ويفتح الطريق بين مصر وليبيا بشكل رسمي، مشيرًا إلى أنه رغم كل المخاطر مستعد لمواجهة الموت من جديد مرات ومرات، طلبًا للقمة العيش وزيادة الدخل "أصل أنا أكتر من اللي شوفته مش هاشوف تاني".

ويبدو أن عم رمضان سيسلم مهنته بالوارثة حيث إن ابنه الأكبر يعمل سائقًا أيضًا لكنه لن يسمح له طوال حياته أن يعمل على طريق ليبيا حتى لا يرى مرارة ما رآه والده.


الكاتب

مصر الناس> مصر الناس

شارك برأيك