أمنية جاد الله تقاضي القضاء في عام المرأة

استضاف معهد جوته "أمنية جاد الله" مؤتمر إشكاليات تعيين النساء بالقضاء (تصوير - حنان فوزى الميهى)

مصر الناس

كتب- صموئيل أشرف، حنان فوزى الميهى

أمنية جاد الله، فتاة عشرينية أعادت معركة مضى عليها 68 عامًا إلى الأذهان مرة أخرى، وقت أن وقفت عائشة راتب عام 1949 في المحاكم المصرية لتُقاضي القضاء المصري لرفضه تعيينها في مجلس الدولة، فتعاني أمنية لإيصال صوتها وصوت كل النساء اللاتي يُهدر حقهن فقط لأنهن نساء، بعيدًا عن كفاءتهن ومقدرتهن على تحمل المسئولية والأعباء.

"لقد عانينا من أجل هذه المادة كثيرًا، فقد دققنا كثيرًا لدرجة أننا كنا نراعي الفصلات علامات الترقيم وحروف الجر لكي لا يتم التلاعب بهذه المادة" هكذا تعبر الدكتورة "منى ذو الفقار"، التي شاركت في لجنة الخمسين لوضع الدستور المصري لعام 2014 عن المادة 11 من الدستور، والتي نصها "تكفل الدولة للمرأة حقها في تولي الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة والتعيين في الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها".

جاءت هذه المادة لتكفل حق المرأة في العمل بكافة المجالات، إلا أن هناك "تعسف" في تطبيق هذه المادة طبقًا لما ذكرته أمنية في قصتها، إذ تحكي عن معاناتها مع هذه القضية التي تعتبرها ليست قضية توظيف، وإنما قضية المرأة وحقوقها، فقد تخرجت أمنية في جامعة الأزهر كلية الشريعة والقانون، وحصلت على تقدير امتياز مع مرتبة الشرف، فضلًا عن أنها بين أوائل الدفعة في الترتيب الثاني، وحصلت علي دبلوم القانون العام بتقدير جيد جدا، الرابعة في الترتيب بين الخريجين 2014، ودبلوم التجارة الدولية  بترتيب الخامسة بين الخريجين 2015 (هاتان الدبلوماتان تكافئ معادلة ماجستير) ودبلوم القانون الخاص عام 2017.

حملت أمنية على عاتقها تلك القضية وبدأت بتاريخ 30 يناير 2014، وفي الموعد المحدد سحب ملف المجلس لشغل وظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة، ولكنها تفاجئت أن طلبها تم تجاهله، فلم يُسمح لها ولزميلاتها الخريجات أن يسحبن أوراق التقديم على عكس الخريجين الذكور الذين لم يجدوا أية مشاكل مع هذه العملية.

ولكن لم تيأس أمنية كما يأست بعض الخريجات المتقدمات، بل صمدت وبقي معها عشرون فتاة، قررن خوض المعركة للدفاع عن القانون اللاتي لطالما درسنه وطلبن العمل على تطبيقه والعمل به في مجلس الدولة، ثابرت أمنية مع زميلاتها وتوجهن إلى قسم الدقي في نفس اليوم باثبات تلك الحالة ومطالبة المجلس بالغاء القرار السلبي بامتناعه عن تسليم الملفات للخريجات أسوة بالخريجين، رغم مخالفة ذلك للمواد الدستورية.

وكانت المفاجئة المنتظرة فى سبتمبر 2015، بصدور قرار من رئيس الجمهورية رقم 356 بتعيين الخريجين من دفعة 2013 واشتمل على 243 خريج مقابل اقصاء متعمد للخريجات، ويأس من يأس منهن، ولكن أمنية لم تيأس، فهي المثابرة التي تقدس القانون وتعلم أنه الباقي مهما تغيرت الأشخاص، فقامت بالطعن على القرار فى يناير 2016، وفي حين أن العديد من الخريجات يأسن بالفعل، إلا أنها لم تيأس ومازالت القضيتان أمام ساحة المحاكم منذ أربعة سنوات.

"عمرو الشوبكى" يتحدث عن قضية أمنية جاد الله بمؤتمر إشكاليات تعيين النساء بالقضاء. (تصوير- حنان فوزى الميهى) 

تراسل أمنية عشرات الهيئات والأشخاص يوميًا لحثهم على مناصرة القضية التي لطالما أكدت أنها ليست قضية شخصية بقدر ما هي قضية النساء كافة، وقضية انتصار للقانون أيضا، تبذل أمنية الجهد والوقت ليس طلبًا في وظيفة أو منصب كما تؤكد دومًا، ولكن انتصارًا لقضية ورثتها يوم أن تخرجت في مايو 2013، وهو نفس الشهر والسنة التي توفت فيهما "عائشة راتب" تاركةً العبء على أكتاف أمنية تلك الفتاة الوقور التي تلمس من حديثها هدوءً وحكمة ومثابرة مدعومةً بعلمٍ وقوة تحمل لتُناصر القضية الموروثة، ولتدعم مسيرة المرأة في أخذ حقها المكتوب في القوانين والمعاهدات والدساتير ولكنه مهدورٌ بدافع المجتمع وصانعي القرار.

لم تكتف “أمنية” بالقانون فحسب لاستعادة حقها المُهدر، بل اتجهت أيضًا إلى المنظمات النسوية، وكان المجلس القومي للمرأة هو وجهتها الأولى في يناير 2014، إذ التقت بالسفيرة “مرفت التلاوي”، رئيسة المجلس اَنذاك.

بعد اللقاء، أرسلت “التلاوي” خطابًا إلى مجلس الدولة، تستفسر عن السبب وراء رفض قبول المتقدمات للعمل في مجلس الدولة، خاصة بعد أن اعترف الدستور بأحقية النساء في ذلك، أثار الخطاب حفيظة المجلس، وأصدر أعضاء نادي مجلس الدولة بيانًا اعتبروا فيه خطاب “التلاوي”إساءة بالغة، مطالبين رئيس المجلس بتحريك دعوى وبلاغ للنائب العام ضدها، ومن بعد هذه الواقعة لم يتدخل المجلس القومي للمرأة في هذه القضية مرة أخرى.

كذلك لم يحضر ممثل عن المجلس القومي للمرأة حينما عقد المجتمع المدني مؤتمرا استضافه معهد جوته بالدقي يوم الأحد الموافق 5 نوفمبر 2017، بعنوان "إشكاليات تعيين النساء بالهيئات والجهات القضائية، وشارك في المؤتمر ِثلاثة من أعضاء لجنة الخمسين لكتابة الدستور المصري لعام 2014: الدكتورة المحامية الحقوقية منى ذوالفقار، والدكتور عمرو الشوبكي، والأستاذ عمرو صلاح، وكل من الأستاذة مزن حسن مُؤسسة ومديرة نظرة للدراسات النسوية والأستاذة المحامية عزة سليمان رئيسة مجلس أمناء مؤسسة قضايا المرأة المصرية، وكذلك أمنية جادالله صاحبة الدعوى.

المستشار "محمد سمير" المتحدث الإعلامي للقضاء الإداري بمؤتمر إشكاليات تعيين النساء بالقضاء (صورة أرشيفية)

وكان موجودًا في المؤتمر المستشار "محمد سمير" المتحدث الإعلامي للقضاء الإداري وقال عن أمنية: "طريقة عرضك للقضية بأسلوب راقى والصياغتك القانونية تجبر اى هيئة او جهة قضائية تتشرف بوجود واحدة زيك. وانا بسمعك شعرت انى استمع لمنيرة ثابت فى العشرينات، وهى تجاهد من اجل دخول المرأة للبرلمان"، وأضاف سمير "السؤال الحقيقى ليس .. "هل المرأة ستتعين بمجلس الدولة أو لا؟"،" لكن السؤال متى ستتعين المرأة بمجلس الدولة، فالأمر راجع إلى ثقافة المجتمع"؟

ويعود بنا هذا الحديث عن المجتمع وقابليته لتقبل وجود المرأة في هذه المناصب من عدمه، ونص الحكم التي انتهت إليه المحكمة في قضية عائشة راتب عام 1949، انه من حيث مبدأ لا يوجد مانع دستورى أو شرعى من تولية المرأة القضاء ولكن رغم ذلك فإن تقدير ملائمة مناسبة حدوث ذلك وفقا للصالح العام ومراعاة ظروف البيئة والتقاليد وأوضاع العرف وبحسب ظروف الحال وملابساته هو حق متروك تقديره لجهة الإدارة.

كما يُذكر أنه سبق لمجلس الدولة أن أعلن عن تمسكه برفض تعيين النساء بوضوح فى الجمعية العمومية لمجلس الدولة التى انعقدت فى الخامس عشر من فبراير عام 2010. حيث رفض 89% من قضاة المجلس تعيين النساء فى قضاء المجلس. وقد حضر الجمعية العمومية لمجلس الدولة 380 عضوًا رفض منهم 334عضوًا تعيين النساء كقاضيات ووافق على تعينها 42 عصوًا فقط فى حين امتنع عن التصويت 4 مستشارين.

وفي النهاية يجب الإشارة إلى واقع المرأة في القضاء المصري في عام المرأة 2017، ففي 22 يناير 2003 صدر قرار جمهوري بتعين المستشارة تهاني الجبالي، نائب رئيس المحكمة الدستورية، ضمن هيئة المستشارين بالمحكمة الدستورية العليا كأول قاضية مصرية، حتى عام 2007 حيث عينت في ذلك العام 32 قاضية بالقضاء العالي، مما ابقى القاضية تهاني صاحبة لأعلى منصب قضائي تحتله امرأة في مصر، وذلك كان قرارًا سياسيًا بعد أن وقعت مصر على اتفاقية "السيداو" العالمية التي تنص على إلغاء كافة اشكال التمييز ضد المرأة في عام 1980، وتم التصديق عليها في العام 1981.

وحتى من يتم تعيينهن في الهيئات القضائية التي تقبل المرأة فيها يتم تجاهلهن في الترقيات، إذ أشارت إحصائية قام بها مركز نظرة للدراسات النسوية لعام 2017، أن ترقيات النساء في هيئة قضايا الدولة كان صفر في المئة في السنوات الثلاث الماضية، وتشير هذه الإحصاءات الواقع المأسوي للمرأة في عام احتفال الدولة بالمرأة.


الكاتب

مصر الناس> مصر الناس

شارك برأيك