ستائر رقية.. تصنع الفرحة وتمحو تعب السنين

رقية أمام ستائرها التي باتت جزء من فرحة أهل قريتها

اسراء محارب

طريق طويل وعر تحيط به زراعات القصب والأشجار العالية على الجانبين تحتاج أن تقطعه لتصل إلى نجع القمّار بقرية العليقات التابعة لمركز قوص بمحافظة قنا، على الطريق ومن بعيد تظهر تشكيلات من بيوت صامتة صفراء وكأنها قطعة من الجبل الذي لا يبعد عنها كثيرًا، هدوء ظاهري يحمل وراءه تفاصيل لحياة وأحلام ومتاعب خلق كثيرون يعيشون هنا منذ زمن، ومن بينهم رقية صانعة الستائر، التي تحمل قصتها كثير من الأسى وكثير من الأمل وتحدي الظروف.

تجلس "رقية" السيدة الأربعينية، ذات الملامح البسيطة في محلها الصغير في نجع القمار، بجوارها تقبع ماكينة خياطة وجهاز كمبيوتر وطاولة صغيرة عليها ألوان وأشكال مختلفة من الأقمشة، تحرك عينيك بسرعة لتعود لهذه السمراء هزيلة القوام، التي تشرق ابتسامتها، قائلة: "اتفضلي يا خيّتي، شرفتي مكاني".

رقية محمد سليمان، وشهرتها "رقية القمّار"، نسبة إلى النجع الصغير، عاشت سنوات طويلة من الظلم والحرمان لكونها أخت غير شقيقة لثمانية إخوة رجال جحدوا حقها ومنعوها من الزواج؛ حتى لا تجد من يقف بجوارها في الحصول على ميراثها من أبيها، والتي تحتاجه بشدة للإنفاق على والدتها المسنة والعيش بكرامة دون مساعدة من أحد ولكن بلا جدوى.

قالت رقية بصوت حزين: "لم أحصل من التعليم إلا على قسط قليل يجعلني أكاد أفك الخط، بسبب وفاة والدي الذي تركني لأواجه بمفردي قسوة إخوتي الذين أصبح أكبر همهم كيفية تقسيم نصيبي ونصيب أمي فى ميراث أبي وهو خمسة فدادين أراضي، ولم يكتفوا بذلك ولكن قرروا طردنا من بيت أبى ليتمكنوا من تقسيمه وبيعه، وعشت مع أمي طوال سنوات عبئا على عائلتها".

وتابعت: "لقد أصبحت علي علم كاف بالقوانين عقب رحلة شاقة في دروب المحاكم والقضايا، وبالفعل أصدرت المحكمة عدة قرارات لصالحي، تم إيقاف تنفيذها بعدما أصر أخوتي على الوقوف في وجه القانون أحيانا بالرشوة وأخرى بالتحايل".

لم تعتمد رقية على اللجوء لمساعدات الجمعيات الخيرية والتضامن لتعيش حياة كريمة دون إذلال، ولكنها فكرت في الحصول على مهنة مناسبة لها ووفق إمكانياتها، وقررت أن تلتحق بمشغل في مدينة قنا لتتعلم حرفة حياكة الستائر والمفروشات للعرائس، ورغم بُعد المسافة التي تبلغ 15 كيلو بين قريتها ومدينة قنا، إلا أنها واصلت تدريبها لمدة شهر يوميًا، إصرارها على التعلم وسرعة استجابتها أبهروا المدربات بالمشغل، مما جعلهن يقترحن عليها الحصول على قرض من إحدى الجمعيات لشراء ماكينة خياطة لبدء مشروعها بعد التدريب.

مع انتهائها من حياكة مفروشات أول عروس في القرية، سرعان ما ذاعت شهرتها بين الأهالي وباتت محل ثقتهم في قدرتها على حياكة ستائر ومفروشات جميلة "زي أهل البندر"، وهكذا انتقلت رقية من ماكينة داخل غرفتها في بيت خالها إلى محل في أحد الشوارع الهامة بالقرية، وباتت الفتيات من القرى والنجوع المحيطة تأتي إليها خصيصا لاختيار التصميمات والألوان التي وضعتها رقية علي جهاز الكمبيوتر، والذي يساعدها في تشغليه وإظهار وتحميل الصور عليه طفل من أطفال النجع.

اختتمت رقية قصتها، قائلة: "حرفة الستائر لم تغنني ماديا فقط، ولكني أصبحت أشعر بأن لي دورًا في الحياة وفي القرية، خاصة بعد أن كسبت ثقة الآخرين في البيع والشراء والحياكة، وفي كل مرة أشارك عائلة مختلفة فرحتها بتزيين منزل ابنتهم بما صنعت يدي، أعوض بذلك الفرحة التي قتلتها بداخلي العادات والتقاليد".


الكاتب

اسراء محارب> اسراء محارب

شارك برأيك