مديحة جاب الله.. الصعيدية التي انتصرت لمكفوفي قنا

"مديحة" أول كفيفة تحصل على شهادة محو الأمية .. تصوير-إسراء محارب

نورهان دسوقي

ممسكة بأدوات القراءة والكتابة، محتضنة إياهم، وكأنهم الشعاع الذي يُنير طريقها ويثبت وجودها.. إنها "مديحة جاب الله" الفتاة الصعيدية الكفيفة التي ترجع جذورها لقرية دندرة في محافظة قنا، بصعيد مصر.

بمجرد النظر في وجه الفتاة العشرينية، تلحظ أن الابتسامة لا تفارق وجهها خاصة عندما تكتب أو تقرأ، وكأنها تمدها بطاقة أمل تُنسيها الخطأ الطبي، الذي تسبب في فقدان بصرها عندما كانت طفلة لم تتجاوز الستة أشهر، في أثناء إجراء عملية جراحية بعينها.

فقدان مديحة لبصرها جعل فكرة التعليم غير مطروحة في طفولتها، خاصة وأنه لم يكن هناك مدرسة متخصصة لتعليم المكفوفين بقنا.

اكتفت مديحة حتى بلغت سن الـ 19 عامًا بحفظ القرآن الكريم، حيث كانت تستمع إلى أشرطة الكاسيت وتردد مع الشيوخ وتحفظ، الآيات فضلًا عن إنصاتها إلى أخواتها خلال استذكارهم لدروسهم، حيث كانت تلتقاط أذانها بعض الأحرف والكلمات مع وصف شكل الأحرف لها.

فرحة ما تمت

وكادت مديحة تستعيد روحها المفقودة حينما زارت طبيب العيون الخاص بها، والذي لاحظ تمتعها بقدر من الثقافة والرغبة في التعلم، فاقترح عليها الذهاب إلى مدرسة النور للمكفوفين بقنا، ففرحت كثيرًا وذهبت للاستفسار عن كيفية الالتحاق بها، إلا أن فرحتها تلاشت سريعًا حين وجدت أن أقصى سن للإنضمام هو 12 عامًا بينما كانت قد تجاوزت الـ 19عامًا..

تملكها اليأس وتركت فكرة التعليم جانبًا إلى أن لعبت الصدفة دور قدري، فذات يوم كانت ذاهبة للسوق برفقة والدتها، وهناك التقت شخص يدعى محمود النجار، والذي لاحظ مديحة وهي تُجري عملية حسابية لقيمة المشتريات التي قامت والدتها بشرائها.

وتصف مديحة ما حدث قائلة: "دار حوار بيني وبينه، واكتشفت بالصدفة أنه بيشتغل مدرس بمدرسة النور للمكفوفين، وعرض عليا أروح المدرسة ويعلمني بنفسه".

بالفعل ذهبت مديحة إلى المدرسة، وكان ذلك بشكل ودي غير رسمي، حيث كانت تحضر يومين بالأسبوع، وبدأت تتعلم الأساسيات والحروف بطريقة برايل في كتاب اسمه "مبادئ برايل"، وتضيف مديحة: "تعلمت المبادئ في شهرين على الرغم من أن تعلمها يأخذ على الأقل سنتين".

محو الأمية

تواجه مديحة صعوبة أخرى، فبعد أن أنهت مرحلة تعلم القراءة والكتابة، أرادت أن تحصل على شهادة محو الأمية للالتحاق بالمرحلة الإعدادية بالمدرسة بشكل رسمي، لكن لم يكن هناك فصل لمحو أمية المكفوفين بقنا حيث لا يوجد سوى فصل واحد في  أسوان..

تحكي مديحة مبتسمة: "أرشدني مدير المدرسة أن أتوجه لجمعية تنمية المرأة بقنا، لأنها تُتيح امتحان مباشر لمحو الأمية لكن للمبصرين فقط، عرضت حالتي عليهم فأرشدوني للتواصل مع رئيس هيئة محو الأمية بقنا آنذاك، وبالفعل تواصلت معه ثم قدم لي طلب وقمت بإرساله للفرع الرئيسي لهيئة محو الأمية بالقاهرة، وتواصلوا معي من القاهرة وكانوا متعاونين وسمحوا لي أن اجتاز امتحان محو الأمية للمكفوفين من فرع أسوان، ونظرًا لحالتي أرسلوا لي الامتحان وأعدوا لي لجنة خاصة".

فصل لمكفوفي قنا

وبعد أن اجتازت الامتحان بـ 10 أيام عَلِمَت أنها نجحت وحصلت على الشهادة وأصبحت أول كفيفة تحصل على محو الأمية بمحافظة قنا، ومن ثم التحقت بالإعدادية في مدرسة النور للمكفوفين كطالبة منازل، وهي حاليًا طالبة في أولى ثانوي بعمر الثالثة والعشرين، ونتيجة كفاح مديحة؛ تم فتح فصل لمحو أمية المكفوفين بقنا عام 2014م، لتلبية أحلام وطموحات غيرها من المكفوفين.

ولا تقتصر اهتمامات مديحة على الدراسة فحسب، فهي أيضًا تمتلك موهبة الغناء، ولجمال صوتها استعانت بها المدرسة لتحيي حفل المولد النبوي.

مديحة لديها رغبة بأن تصبح طالبة نظامية بالمدرسة، حتى تستطيع المتابعة مع المدرسين والإقامة بالمدرسة، نظرًا لأنها توفر مبيت للطلاب لكي توفرعليها الجهد وصعوبة ايجاد المواصلات، فأكثر ما يزعجها بنظام الدراسة المنزلية افتقاره لأشياء كثيرة منها: الكتب المدرسية، ودخول المكتبة، وأدوات الكتابة، وممارسة الأنشطة المختلفة والرحلات وغيرها، ومما يشعرها بالحزن أن إدارة المدرسة تتعاون معها ومتعاطفة مع حالتها وتقدم لها الكثير، ولكن على استحياء.

 وترغب مديحة في إنهاء الثانوية العامة بنجاح والالتحاق بكلية الآداب قسم التاريخ..


الكاتب

نورهان دسوقي> نورهان دسوقي

شارك برأيك