«أم قناوي» تعيل 8 أبناء وأبيهم منذ 30 عاما بالفسيخ

«أم قناوي» صعيدية تعيل أبنائها الـ8 وأبيهم بالفسيخ

دينا محمود

تجلس في ركن صاخب بالسوق تبيع الفسيخ بجوار السكة الحديد في منطقة السيل بمدينة أسوان، ويبدو على ملامحها التعب والشقاء، تتحمل المكوث أمام رائحته الزفرة بالساعات، وذلك لتصنع لها ولأسرتها حياة كريمة تلك هي فتحية موسى حازم، التي تبلغ من العمر 64 عامًا.

بالرغم مما يبدو على وجهها من عناء إلا أنه لم يغب عنه ابتسامة الرضا، تزوجت فتحية منذ 47 عامًا ورزقها الله بـ8 أبناء؛ 3 أولاد و5 فتيات، وعملت في بيع الفسيخ لتعول أسرتها، منذ 30 عامًا تقريبا، بعدما أصيب زوجها بجلطة ومكث في الفراش.

"كرمان ما بقول بالصلاة على النبي بيرضيني الكريم".. بهذه الكلمات بدأت فتحية ولقبها "أم قناوي" سرد حكايتها لـ«مصر الناس»، وحكت عن التحديات التي واجهتها على مدار مدة عملها بهذه المهنة.

وقالت: "في البداية خالص كنت بروح الشادر واشتري البضائع الشُرُك المانجة والجوافة أو الفجل والجرجير وكنت بسرح بيه وأبيعها في الشارع وكنت بشيلها على راسي وألف بيها، وبعد كده اشتغلت في بيع الملوحة وبطلع من الساعة السادسة صباحًا وبرجع بيتي بعد العشاء وده كان بيأثر على عيالي كوني طول النهار بره ومش بقعد معاهم، بس استحملت أنا وعيالي الوضع ده عشان منمدش أيدينا لحد ونقوله إدينا".

 كافحت فتحية هي وأبنائها الذين عندما زادت الحالة الاقتصادية سوءًا تسربوا من التعليم من الصف الثالث الإعدادي حتى يعملوا ليستطيعوا مواجهة الحياة وصعوبتها وتوفير نفقات المعيشة التي كادت أن تتكالب على عاتق والدتهم، فعملت ابنتها الكبرى في بيع العيش البلدي بالسوق، وابنيها في بيع أنابيب الغاز والآخرون يعملون على باب الكريم ورزقهم يوم بيوم زي الصحابة رضوان الله عليهم، بحسب وصف الأم.

وأضافت فتحية: "برغم اللي عانيته أنا وأولادي، عمري ما طلعت وقولت يا فلان إديني جنيه، بكسب من عرق جبيني وربنا مكفيني ونحمده ونشكره على كل حال".

 وبالرغم من كبر سنها إلا أنها تبدو للوهلة الأولى وهي تمارس عملها، فتاة في العقد الثالث من عمرها، تغمرها الحيوية وتتحدى بالابتسامة الظروف المتكالبة عليها من مسؤوليات وأسرة كبيرة تعولها وزوج ملازم الفراش تحضر له العلاج بمبلغ 1500 جنيه شهريًا.

تتردد دائمًا كلمات الشكر لله على لسانها في عملية البيع والشراء، فإذا ما تردد عليها أحد الزبائن تبادره بطلب الصلاة على الحبيب أو بذكر الله أو "وكيلي ووكيلك رب العباد احكم الحاكمين"، "الحمد لله ملك السماوات والأرض".

 وتعبر عن رضائها بحالها بتقبيل يدها وحمد الله الرزاق الوهاب، فبحسب ما تعتقد فتحية فالله يرضيها بسكينة القلب والطمأنينة بسبب قناعتها بحالها.

وذكرت فتحية، أن الأوضاع الاقتصادية الحالية تؤثر عليها بشكل كبير، فبدلًا من بيعها كيلو الفسيخ بسعر 30 جنيهًا يتوجب عليها رفعه إلى 50 جنيهًا، موضحة أنه كلما ارتفع سعر الصفيحة زاد ثمن الكيلو، الذي يصل أحيانًا إلى 75 جنيهًا، ما أثر على حركة البيع والشراء.

وتابعت أنها لتتغلب على تلك المشكلة تسمح للزبائن بالفصال في السعر حتى ترضيهم ولا تخسرهم حتى إنها تتيح لهم تنقية الفسيخ بأنفسهم، مشيرة إلى تراوح الأسعار بين 50 جنيهًا للحجم الكبير و30 جنيهًا للمتوسط و20 جنيهًا للصغير.

وتبيع فتحية 4 أنواع من الفسيخ؛ السردين، البيبي الناعم، البلدي المتوسط، البلدي الكبير، وهو ما يفضله أغلب زبائنها الذين يأتون إليها خصيصًا من أسوان، بسبب نظافة المنتج الذي تبيعه وخضوعه للكشف قبل بيعه، وامتلاكها شهادة صحية من وزارة الصحة تفيد بذلك.

وأوضحت فتحية أن تشتري بضاعتها من المدينة الصناعية ببحيرة ناصر، ويتولى هذه المهمة حفيدها "كريم" الذي يساعدها في تلك المهنة.

وعن طريقة تخليل الفسيخ، قالت إن الصيادين ببحيرة ناصر ينظفون السمك ويغسلونه ثم يخللونه بالملح ويدفنوه في الرمال بعدها يعيدون تخزينه في المخازن المخصصة لذلك، متابعة: "ينقلونه من صفائحه إلى أخرى جديدة بعد غسله مرة ثانية لتخزينه لمدة 6 أشهر حتى يصلح للاستخدام الآدمي".

 وواصلت: "الفسيخ يخضع للكشف من الصحة والطب البيطري ومفتش أغذية ومندوب عن الجمعية، ويخرج بورق رسمي ثم يُوزع على البائعين والتجار الموزعين، على مستوى الجمهورية من الإسكندرية إلي أسوان".

وأنهت فتحية كلامها، بقولها "ربنا أنعم عليا بنعم كتير وأنا شكراه وحمداه والختام خير من عند الله، ربنا يكرمني بزيارة حبيبنا النبي، ده كل ما أتمناه منه وطمعانة فيه خير إن شاء الله".


الكاتب

دينا محمود> دينا محمود

شارك برأيك