عجلة «أبو عدنان» السوري توزع البهجة على كورنيش الإسكندرية


دينا النجار

رجل تخطى السبعين عامًا يقود دراجة مُزينة بالورود، تحتوي على جهاز راديو صغير تنبعث منه أغاني قديمة، يقف على كورنيش الإسكندرية وبالتحديد في منطقة خالد ابن الوليد، لينتقي في طريقه العابسين الذين ارتسمت على وجوههم علامات الحزن، يبتسم في وجوههم ويعطيهم الورود ليبعث في قلوبهم السعادة والطمأنينة، التي افتقدها طويًلا بعد أن دمرت الحرب منزله في سوريا فجاء وأسرته هربًا للإسكندرية.

سمير خليل السواح، الشهير بـ"أبو عدنان"، بائع الورد ورسول البهجة، ولد في حي الميدان بدمشق، منذ 5 سنوات قُصف منزله في سوريا، فسافر هو وأسرته إلي لبنان ثم جاء إلى مصر بلده الثاني وبلد زوجته المصرية، التي تزوجها بعد قصة حب في سوريا وأنجب منها سبعة أبناء وأصبح جد لـ40 حفيدًا.

"ما بحب أكسر نفسي، والله كسر النفس صعب، أنا ما بحب التواكل" بهذة الكلمات بدأ "عم عدنان"حديثه لـ"مصر الناس"، فهو يرى التزامات أولاده وأحفادة الكثيرة، فلم يرغب بأن يكون عبئًا عليهم، خاصة بعد مرض زوجتة بقصور في القلب وتكالب أمراض الشيخوخة عليهما، فقرر النزول للبحث عن عمل ليصرف على علاج زوجته ومصاريف المعيشة وتسديد إيجار شقتة الذي يتجاوز 1500 جنيهًا شهريًا.

"روح  ارتاح".. كانت هذة الجملة التي رددها الرافضين تشغيله لكبر سنه من أصحاب  المطاعم والمقاهي كفيلة للقضاء على أمله في العثور على مصدر رزق له.

بعد معاناة وفي أثناء مروره  أمام محل ورود أسفل نفق 45 جلس يتأمل ألوان الورود، ويتذكر عمله في سوريا حيث كان يمتلك محلاً لبيع الورود والعصافير من نوع الكناريا، ولاحظ صاحب المحل وجوده  فترات طويله ينظر للورود فتحدث معه وعرض عليه اعطائه باقة من الورود لبيعها، ومنحه مقابل فيما بعد ففرح واشترى "عجلة " مُسعملة تساعدة على السير  وحمل الورود.

 ورغم منع الأطباء قيادته للدراجة لخطورتها على حالته الصحية، إلا أنه يعتبرها وسيلة مريحة وغير مكلفة للإنتقال.

زَين"أبو عدنان"  العجلة وأضاف صندوق أمامي يضع فيه الورود، وثبت راديو قديم بها لتسليته وادخال البهجة على المارة.

ذهب ليوزع الورود على الكورنيش غير عابىء بالمقابل المادي برغم حاجتة الماسه إليه، فمن يعطية مقابل لايرده ومن لا يعطية يكتفى بإدخال البهجة عليه.

 و يتذكر دائمًا مقولة والدته "اللى يسعد الناس الله يسعده"، وأكمل حديثة قائلًا: " شعب مصر كريم برغم الظروف القاسية اللى يمر بيها".

لكن النوايا الطيبة وحدها لا تكفي لنجاح أي مشروع، حيث اشتبك مع أبو عدنان دون مقدمات بائعي الورد على الكورنيش وحطموا "العجلة"وماتبقي معه من ورود وقضوا معها على أخر أمل  للرجل المسن في الحصول على مصدر رزق.

ما كان منه إلا حمل ما تبقى من العَجلة وقلبه ينتفض وذهب باكيًا لمنزله وظل أسبوعين لا يغادره حتى قرر النزول لصاحب محل الورود ومصارحته بما حدث معه.

استقبله "أحمد" صاحب المحل بحفاوة وطلب منه عدم الإختفاء مرة أخرى وأعطي له باقة ورود جديدة، وساعده في اصلاح دراجته.

 وقال "أبو عدنان": "الرزق الله بيبعته، وما في حد بياخد رزق حد"، وهذة المرة وقف أصحاب الكافتريات على الكورنيش بجانب أبو عدنان الذي حرص على بناء علاقات جيدة معهم لحمايته من البلطجية.

وبمرور الوقت أصبح صديقًا لبائعي الورد والمارة على الكورنيش.

ولكن سرعان ما ظهرت معوقات أخرى في طريق رسول البهجة كما لقبه المارة وأصحاب الكافتريات، فبسبب الأمراض المصاب بها وجو الشتاء القارص لا يستطيع العمل طيلة أيام الأسبوع ما يهدد رزقه اليومي.

 مع ما يمر به عم عدنان، فهو حريص على العمل حتى يحقق حلمه بإمتلاك محل صغير لبيع الورود والعصافير كما كان يمتلك في سوريا، ويرسل زوجته لأداء العمرة، وبعيون لامعة قال: "أنا حبيت إسكندرية ومصر وشعبها الطيب، بس الوطن غالي ونفسي أندفن في سوريا".


الكاتب

دينا النجار> دينا النجار

شارك برأيك